{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ}
تلبية لأمر ربهم وتنفيذاً لطلب حبيبهم فإن الله يأمرك أن تخرج من دارك في
أوقات الصلاة لتذهب إلى بيت الله ويأمرك أن تُخرج من مالك حق الفقير الذي
أوجبه فيه الله مَن الذي أخرجك من هذا الأمر؟ الله
تخرج من دارك لأداء فرائض الله ولا تجلس في البيت
كما يحدث في هذا الزمان فإن من الأمور التي أثرت في الروابط والعلاقات بين
المسلمين اكتفاء الناس بالصلاة في البيوت وتركهم للمساجد إلا في يوم الجمعة
وحتى إذا ذهبوا إليها يوم الجمعة لا يحاول واحد منهم أن يتعرف على إخوانه
المصلين وسوَّل الشيطان لكثير من بني الإنس في هذا الزمان أنك ما دمت لا
تحتاج إلى مال من أحد ولا إلى مصلحة من أحد فلا عليك أن تواصل الخلق أو
توادهم أو تتعرف عليهم
وهذه والعياذ بالله سياسة أمريكية لأن ذلك سياسة
أميركا وأهل الغرب وهو ما يُسمونه مذهب المنفعة لا يتحرك إلا إذا كان له
منفعة مادية ولا يُدركون ما وراء المادة ولكن نحن جماعة المؤمنين نعلم علم
اليقين أن المنافع التي تعود على الأخ من إخوانه المؤمنين الأُخروية
والروحانية والدينية والربانية تفوق أضعاف أضعاف أضعاف الدنيا كلها من
أولها إلى آخرها إذا سلمها له مولاه جل في علاه فإن الأخ يحتاج إلى أخيه في
الدنيا قبل الآخرة لمنافع ربانية ولمنافع دينية ولمنافع إلهية جعلها الله
بيننا وقال فيها في قرآنه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}التوبة71
كل مسلم يحتاج إلى إخوانه المسلمين بل إن أغنى أغنياء
المسلمين بل إن سلطان المسلمين يحتاج إلى أفقر رجل من المسلمين وقد كان صلي
الله عليه وسلم وهو يُوَرث أصحابه هذا الهَدْى عندما يخرج بقواته وجيوشه
إلى الغزوات يُعَرج على الشيوخ والعواجيز الذين لا يستطيعون الخروج للجهاد
في مسجده المبارك ويقول كما جاء بالأثر يا إخوتي لا تنسونا من دعاءكم فإنما
نُنصر بدعاءكم
وورد في القرطاس أنه صلي الله عليه وسلم قال لغلام
المغيرة: ادع لنا واستغفر لنا وقال لعمر: لا تنسانا يا أخي من صالح دعواتك
لما استأذنه للعمرة فهو لم يقل لإخوانه (إنا نُنصر بسيوفكم) بل قال الله لهم {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}الأنفال17
ولذلك قال صلي الله عليه وسلم لنا وللمؤمنين أجمعين {ابْغُونِي فِي ضُعَفَائِكُمْ}[1]
لأن الضعفاء لهم وجاهة عند الله دعوة من أي رجل مؤمن قد تراه ضعيفاً أو
حقيراً أو فقيراً قد تُغير الكونين، قال صلي الله عليه وسلم {كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ}[2]
قد يكون مسلم فقير ضعيف لكنه يستطيع أن يُعَمر الصحاري
وليس معه مال يذهب إلى الصحراء ويستغيث بمولاه فيُنزل الله له الماء ولا
تستطيع الإمكانيات الضخمة أن تأتي بالماء لأن جوف الأرض ليس فيه ماء ولا
تستطيع أن تصنع سحاباً وتُسيره ليروي هذا المكان بالماء لكن هذا المسلم
الفقير إذا ذهب إلى أي مكان ولو كان صحراء جرداء وسأل الله فوراً أعطاه
الله مناه سلاح الدعاء استهونت به الناس في هذا الزمان ولذلك لا بد أن
نؤهل أنفسنا له ونجهز أنفسنا له ونتدرب على الدعاء حتى يُصلح الله بدعاءنا
كل هذه الأنحاء والأرجاء إن شاء الله رب العالمين
{لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ }الحشر8
وهنا محط الكلام ما طلباتهم؟ وما الذي يحتاجونه؟
وما الذي يبغونه؟ وما الذي يرغبون فيه؟ هل تشكيل أحزاب سياسية؟ هل التنافس
على المقاعد البرلمانية؟ هل الوصول إلى الوظائف العلية؟ هل تكوين شركات
كبرى تبتلع الفقراء والمساكين؟ أبداً والله لكن الله يقول فيهم وهو أصدق
القائلين {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}
يريدون فضل الله ورضوان الله ولم يقل الله
(جناناً) لأن الجنة فوقها مقام الرضوان وهو أعلى من مقام الجنة مقام الجنات
بما فيها من أنواع فردوس وخلد وغيره مقام للنعيم التنعم بالمأكولات التنعم
بالنساء التنعم بالمسامرات والمؤانسات والمحادثات مع الأصحاب والأصدقاء
لكن مقام الرضوان يكون التنعم فيه بالمواجهات مع الله لذلك هو أعلى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{23} القيامة
وهم كانوا أكياساً علت همتهم فلا يطلبون إلا الأعلى
والأغلى والأرقى من الله وعند الله جل في علاه هانت عليهم الدنيا وعلموا أن
الدنيا لا تصلح لحى وطناً فلم يطلبوها وعلموا أن الله يجعل الدنيا خادمة
ومسيرة وتابعة لمن يتوجه إليه ويجعل طالب الدنيا والحريص عليها والشديد في
طلبها خادماً لها يسعى بجد نحوها ويشغل وقته في طلبها ولا يُحصل منها إلا
ما كتبه الله له فيها وخسر الصالحات وخسر الطاعات وخسر القربات لأنه انشغل
في طلب الدنيا عن هذه الأمور التي يهتم بها المقربون والمقربات
لكن المقربون والوجهاء علموا بتعليم الله أن الله
يرزق من غفل عنه وعصاه فكيف لا يرزق من أطاعه ودعاه فوَلُّوا وجوههم
بالكلية نحو الله وألقوا حبل الاعتماد على الله وتوكلوا بالكلية على فضل
الله فجعلهم الله كما قال في كتابه {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ
أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}النحل97
فعاشوا في الدنيا في حياة طيبة لا فيها هم ولا غم
ولا نكد ولا بلابل ولا شجون ولا شئون وإنما هي فرح دائم بما يرد على
قلوبهم وبما يرد على خواطرهم من عالم الله من باب {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}البقرة282
ومن باب{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الجمعة4
{يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} فإذا ابتغوا فضل الله
ورضوانه فعليهم أن يقوموا في الكون{وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
[1] المستدرك والطبراني
[2] سنن الترمذي ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان
ط£ظ…ط±ط§ط¶ ط§ظ„ط£ظ…ط© ظˆط¨طµظٹط±ط© ط§ظ„ظ†ط¨ظˆط©
منقول من كتاب [أمراض الأمة وبصيرة النبوة]