معن بن عدي الأنصاري
معالي عبد الحميد حمودة
عندما نستعرض تاريخ الصحابة الأماجد - عليهم من الله سحائب الرحمة والرضوان - نجد تاريخاً عظيماً لأبطال عمالقة ، ومن هؤلاء معن بن عدي بن عجلان الأنصاري ، وهو صحابي مجاهد ، كان رجلاً مثقفاً في جاهليته ، يجيد الكتابة بالعربية ، وكان من يكتب حينئذ في العرب تتجه إليه الأنظار بكل الاهتمام والتقدير .
انطلق معن بن عدي وكان مثقفاً متعلماً ، فأسرع للإسلام والإيمان برسالة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ، ولذلك كان أحد السبعين البواسل الذين سبقوا إلى الاستجابة في بيعة العقبة الأخيرة .
وتمت الهجرة النبوية ، وآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين معن بن عدي وزيد بن الخطاب شقيق عمر - رضي الله عنهما - ، والغريب أن هذين المتآخيَيْن في الله تآخيا كذلك في ميدان الجهاد في سبيل الله - تعالى - ، وتآخيا كذلك لنيل الشهادة معاً في معركة واحدة ، هي موقعة اليمامة فمضيا أخوين إلى عالم البقاء .
معن يشارك في هدم مسجد الفتنة :
حرص معن بن عدي - رضي الله عنه - على مواقف الفداء والوفاء لكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فشهد غزوات بدر ، وأحد ، والخندق ، والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، لكن في غزوة تبوك قام المنافقون بالإقدام على عمل غاية في الخطر ، من شأنه تفريق كلمة المسلمين وتشتيت وحدتهم فبنوا ( مسجد الضرار ) ؛ ليكون مكاناً تحاك فيه المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين .
هذا التصرف الذي صوَّره القرآن الكريم في سورة التوبة : والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وكُفْراً وتَفْرِيقاً بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وإرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ مِن قَبْلُ ولَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنَا إلاَّ الحُسْنَى واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [التوبة : 107] ،
اختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة رجال ، وأمرهم بالتوجه إلى ذلك المسجد وهدمه وإحراقه ، انطلق الرجال وكانوا : مالك بن الدخشم ، ومعن بن عدي ، وشقيقه : عاصم بن عدي ، وأنجزوا المهمة على خير وجه ، حرصاً على كلمة الإسلام ووحدة المسلمين ، ومنعاً من انتشار الفتنة .
معن بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) :
تتجلى معادن الرجال في المواقف التى تتطلب الرجولة والسيطرة ، ولا يعرف تاريخ الإسلام كله موقفاً في منتهى الخطورة مثلما حدث عند وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، هذا الموقف الذي - لولا عناية الله (تعالى) بدينه - ما كان للإسلام بقية .
انتقل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى جوار ربه الكريم ، وأخذ المسلمون يبكون وهم يقولون : ( والله لوددنا أنا مُتنا قبله ، نخشى أن نُفتنن بعده ) ، وبكل الثبات والرجولة والإيمان العميق الكامل ، يقف معن بن عدي - رضي الله عنه - كما جاء في ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد ويقول : ( وإنى والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتاً كما صدقته حياً ) . هذه العبارة رغم أنها توضح عدم استخفاف معن بن عدي بالمصيبة الكبرى في فقد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، إلا أنها تشير إلى وجوب الثبات على الإسلام وعلى متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- سواء أكان حاضراً أم كان غائباً .
ولذلك نرى معن بن عدي يحرص على ألا تكون هناك فتنة بسبب اختيار خليفة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وعندما رأى بعض التعدد في الآراء في اختيار الخليفة ، سارع مع الصحابي ( عويم بن ساعدة ) إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وجعل يقول له مع صاحبه : ( إنه باب فتنة ... نرجو أن يغلقه الله بك ) .
معن شهيداً في سبيل الله :
لكل إنسان أجل لا يتقدم ولا يتأخر لحظة أو ثانية واحدة ... وظل الصحابي المجاهد النبيل يجاهد في كل موقع ، ويحافظ على وحدة المسلمين ، ويحارب تفرقهم إلى أن حانت اللحظة الأخيرة المجيدة .
كانت هذه اللحظة يوم موقعة اليمامة ، إذ خرج الأخوان المجاهدان - معن بن عدي ، وزيد بن الخطاب (رضي الله عنهما) - ، وكانت الفتنة يومها ضارية ؛ إذ انتشرت الردة هناك بقيادة (مسيلمة بن حبيب) -مسيلمة الكذاب - انتشاراً خطيراً .
تقدم معن بن عدي وزيد بن الخطاب ومعهما أبطال الإسلام ، كان هدف الجميع وضع حد نهائي لهذه الفتنة مهما كان الثمن ، وحمل زيد الراية ، وهتف معن بالمسلمين ليثبتوا ويتقدموا ، وظل البطلان يتقدمان ويجاهدان حتى حققا - مع إخوانهما - النصر المبين .
وكان للنصر ثمن كبير هو الشهادة في سبيل الله .
وسقط معن بن عدي مع زيد بن الخطاب ... فرضوان الله تعالى عليهم
أجمعين .