العيون تذرف الدموع في وداع رمضان
مشاركة : انور صالح ابو البصل
.. الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى أَشْرَف الخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَخَاتَمِ الأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ.
حين تودع الأمة الإسلامية شهر رمضان, تحزن لفراقه القلوب المؤمنة نودعه بالأسى والدموع , وتلك سنة الله في خلقه , أيام تنقضي , و أعوام تنتهي , إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين .
حين يمضى الشهر الكريم وقد أحسن فيه من أناس و أساء آخرون , وهو شاهد لنا أو علينا , شاهد للمشمر بصيامه وقيامة وعلى المقصر بغفلته واعراضه , ولا ندري ـ يا عباد الله ـ هل سندركه مرة أخرى أم يحول بيننا وبينه هادم اللذات ومفرق الجماعات ؟
كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده وهؤلاء الذين { يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة } ، روى عن علي رضي الله عنه قال : كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل ، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : { إنما يتقبل الله من المتقين } ، وعن فضالة بن عبيد قال : لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلى من الدنيا وما فيها لأن الله يقول { إنما يتقبل الله من المتقين } ، قال ابن دينار : الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل ، وقال عطاء السلمي : الحذر الاتقاء على العمل أن لا يكون لله ، وقال عبدالعزيز بن أبي رواد : أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم ، أيقبل منهم أم لا .
كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر ، فيقال له : إنه يوم فرح وسرور فيقول : صدقتم ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا . ورأى وهب بن الورد قوماً يضحكون في يوم عيد فقال : إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين ، وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين . وعن الحسن قال : إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون .
روى عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنئه ، ومن هذا المحروم فنعزيه . وعن ابن مسعود أنه كان يقول : من هذا المقبول منا فنهنئه ومن هذا المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئاً لك أيها المردود جبر الله مصيبتك .
ليت شعري من فيه يقبل منا فيهنا يا خيبـــــة الــمردود
من تولى عنه بغير قبــول أرغم الله أنفه بخزي شديـــــد
ماذا فات من فاته خير رمضان ، وأي شئ أدرك من أدركه فيه الحرمان ، كم بين من حظه فيه القبول والغفران ، ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران ، رب قائم حظه من قيامه السهر وصائم حظه من صيامه الجوع والعطش .
شهر رمضان تكثر فيه أسباب الغفران ، فمن أسباب المغفرة فيه صيامه وقيامه وقيام ليلة القدر فيه ، ومنها تفطير الصوام والتخفيف عن المملوك ، ومنها الذكر ، ومنها الاستغفار ، ودعاء الصائم مستجاب في صيامه وعند فطره ولهذا كان ابن عمر إذا أفطر يقول : اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي . ومنها استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا .
فلما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته المغفرة فيه محروماً غاية الحرمان في صحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r صعد المنبر فقال : " آمين آمين آمين " ، قيل : يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت آمين آمين آمين ، فقال r : " إن جبريل أتاني فقال : من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين ، فقلت آمين ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين ، ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين ، فقلت : آمين " .
وقال سعيد عن قتادة : كان يقال : من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له فيما سواه وفي حديث آخر : " إذا لم يغفر له في رمضان فمتى يغفر لمن لا يغفر له في هذا الشهر " من يقبل من رد في ليلة القدر ، متى يصلح من لا يصلح في رمضان ، متى يصلح من كان به فيه من داء الجهالة والغفلة مرضان ، كل ما لا يثمر من الأشجار في أوان الثمار فإنه يقطع ثم يوقد في النار
لم لا يرجى العفو من ربنا ، وكيف لا يطمع في حلمه ، وفي الصحيح أنه بعبده أرحم من أمه {قل يا عبادي الله أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً} ، فيا أيها العاصي وكلنا ذلك ، لا تقنط من رحمة الله بسوء أعمالك ، فكم يعتق من النار في هذه الأيام من أمثالك ، فأحسن الظن بمولاك وتب إليه فإنه لا يهلك على الله هالك .
عباد الله إن شهر رمضان قد عزم على الرحيل ، واستودعوه عملاً صالحاً يشهد لكم به عند الملك العلام ، وودعوه عند فراقه بأزكى تحية وسلام .
سلام من الرحمن كـل أوان على خير شهر قد مضى وزمان
سلام على شهر الصيام فإنـه أمان من الرحمن كل أمـــان
لئن فنيت أيامك الغر بغتــة فما الحزن من قلبي عليك بفـان
كيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع يا شهر رمضان ترفق دموع المحبين تدفق ، قلوبهم من ألم الفراق تشقق عسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما احرق ، عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كلما تخرق ، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق ، عسى أسير الأوزار يطلق ، عسى من استوجب النار يعتق .
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا صَالِحَ الأَعْمَالِ وَاجْعَلهَا خَالِصةً لِوَجْهِكَ الكَرِيمِ..
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ
الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ.
لا تنسونا من صالح دعائكم
أنور صالح أبو البصل – أبو المأمون