يقول تعالى مخبرا أنه مالك الضر والنفع ، وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه : ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير ) كما قال تعالى : ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ) الآية [ فاطر : 2 ] وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " ; ولهذا قال تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده ) أي : هو الذي خضعت له الرقاب ، وذلت له الجبابرة ، وعنت له الوجوه ، وقهر كل شيء ودانت له الخلائق ، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته الأشياء ، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت حكمه وقهره
( وهو الحكيم ) أي : في جميع ما يفعله ) الخبير ) بمواضع الأشياء ومحالها ، فلا يعطي إلا لمن يستحق ولا يمنع إلا من يستحق .
[ ص: 245 ]
ثم قال : ( قل أي شيء أكبر شهادة ) أي : من أعظم الأشياء [ شهادة ] ( قل الله شهيد بيني وبينكم ) أي : هو العالم بما جئتكم به ، وما أنتم قائلون لي : ( وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) أي : وهو نذير لكل من بلغه ، كما قال تعالى : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) [ هود : 17 ] .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع وأبو أسامة وأبو خالد ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب في قوله : ( ومن بلغ ) [ قال ] من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - - زاد أبو خالد : وكلمه .
ورواه ابن جرير من طريق أبي معشر ، عن محمد بن كعب قال : من بلغه القرآن فقد أبلغه محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( لأنذركم به ومن بلغ ) إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " بلغوا عن الله ، فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله " .
وقال الربيع بن أنس : حق على من اتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو كالذي دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن ينذر كالذي أنذر .
وقوله : ( أئنكم لتشهدون ) [ أي ] أيها المشركون ( أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد ) كما قال تعالى : ( فإن شهدوا فلا تشهد معهم ) [ الأنعام : 150 ] ( قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون )
ثم قال مخبرا عن أهل الكتاب : إنهم يعرفون هذا الذي جئتهم به كما يعرفون أبناءهم ، بما عندهم من الأخبار والأنباء عن المرسلين المتقدمين والأنبياء ، فإن الرسل كلهم بشروا بوجود محمد - صلى الله عليه وسلم - وببعثه وصفته ، وبلده ومهاجره ، وصفة أمته ; ولهذا قال بعد هذا : ( الذين خسروا أنفسهم ) أي : خسروا كل الخسارة ( فهم لا يؤمنون ) بهذا الأمر الجلي الظاهر الذي بشرت به الأنبياء ، ونوهت به في قديم الزمان وحديثه .
ثم قال : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ) أي : لا أظلم ممن تقول على الله ، فادعى أن الله أرسله ولم يكن أرسله ، ثم لا أظلم ممن كذب بآيات الله وحججه وبراهينه ودلالاته ( إنه لا يفلح الظالمون ) أي : لا يفلح هذا ولا هذا ، لا المفتري ولا المكذب .
مصدر:اسلام ويب